منذ أن فتحت عينيها ورأيتهما للمرةِ الأولى وأنا أعلم أنها ستكون مختلفة ولكن لم أكن أعلم كيف، وبمرور الأيام بدأت الصورة تتضح أكثر؛ فطفلتي جميلة ومفعمة بالحياة تبتسم كثيراً وترغب في اكتشاف الأشياء من حولها وتتعلم المشي بسرعة وتكبر أمامي ولكن ما كان يؤرقني دائماً أنها لا تتواصل معي فهي تفعل كل ما تفعل بمفردها دون إبداء رغبة في مشاركة أي شئ، وبدأ الأمر يقلقني عندما أتمت 15 شهر دون أن تتحدث بكلمة واحدة، وعندما أتمت السنتين هنا اكتشفنا المفاجأة .. لقد اصيبت طفلتى بـ مرض التوحد
ما هو مرض التوحد؟
طفلتي مريضة بالتوحد، وأول سؤال خطر على بالي، ما هو مرض التوحد بالتحديد هل هو خطير؟ أخبرني الطبيب أن مرض التوحد هو مرض مزمن وهو اضطراب عصبي يظهر عادةً قبل سن الثلاث سنوات ويستمر مع الشخص طيلة حياته، ويمكن القول أن التوحد هو خلل في تكون وتطور المخ وينتج عنه مشاكل في التواصل الكلامي والتعبيري مع الأشخاص وصعوبة في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية، وأضاف الطبيب أنه يفضل أن ننظر للوضع على أنه طريقة مختلفة للتعامل مع الحياة بدلاً من اعتباره مرضاً.
أقرا أيضا : دليلك حول انواع الامراض العقلية والنفسية |
انواع التوحد:
قرأتُ كثيراً عن انواع التوحد وأمضيت العديد من الليالي بين الكتب الطبية، وتوصلت لأكثر من نوع من انواع التوحد:
اضطراب التوحد Autistic disorder:
هذا النوع هو التوحد التقليدي، وهو غالباً ما يخطر على بالك عند قول كلمة “توحد” ويعتبر من أكثر أنواع التوحد التي تظهر خلالها الأعراض بصورة واضحة وشديدة، من أهم أعراض ذلك النوع من التوحد:
- صعوبة في التواصل مع الآخرين والرغبة في الانعزال.
- يريد الطفل دائماً أن يلعب بمفرده.
- ظهور بعض اللزمات الحركية والحركات المتكررة مثل التأرجح للأمام والخلف أو الجري في دوائر أو طرقعة الأصابع.
- نوبات من الغضب والعصبية.
- اضطرابات في النوم والشهية.
متلازمة أسبرجر Asperger’s syndrome:
يتميز هذا النوع من التوحد ببساطة أعراضه، فالطفل الذي يعاني من متلازمة أسبرجر لا يوجد لديه مشكلة كبيرة في درجة الذكاء أو التعلم أو اللغة، ولكن عادةً يعاني من بعض الأعراض مثل:
- عدم القدرة على التواصل البصري.
- ضعف التواصل الاجتماعي.
- لا يستطيع فهم لغة الجسد أو تعابير الوجه.
- التكلم بصوت عالي أو الوقوف قريباً جداً من الاشخاص عند التحدث وغيره من المواقف التي تضعه في موضع محرج.
- الحركات المتلازمة.
- الخط السيئ.
- الغضب بسهولة.
اضطراب النمو الشامل أو التوحد غير النمطي Pervasive Developmental Disorder:
تم وضع ذلك النوع بعد ملاحظة أطفال يعانون من التوحد ولكن الأعراض ليست بسيطة بحيث يتم وصفها متلازمة أسبرجر ولا ترتقي لأعراض اضطراب التوحد، ولذلك يعتبر ذلك النوع هو نوع وسط بين النوعين السابقين ويتميز ببعض الأعراض مثل:
- مشاكل في اللغة والكلام.
- ردود أفعال غير منطقية تجاه الأصوات والضوء.
- صعوبة في تقبل التغيرات في الأحداث حوله.
- مشاكل في التواصل الاجتماعي.
اضطراب الطفولة التفككي Childhood disintegrative disorder:
هذا النوع قد يبدو غريباً، فبعكس باقي الأنواع التي تظهر في فترة مبكرة من عمر الطفل يتأخر ظهور ذلك النوع إلى عدة سنوات، فيكون الطفل طبيعياً للغاية في سنوات حياته الأولى ثم تبدأ مهاراته في التواصل ومهاراته الحركية في التدهور سريعاً ولذلك سمي بالتفككي ويشكو الطفل من فقدان القدرة على التعبير وعدم الرغبة في اللعب وفقدان التحكم في التبول.
إذاً .. كيف يتم تشخيص مريض التوحد؟
إذا نظرت في الأنواع السابقة ستجد أن هناك تشابهاً كبيراً في الأعراض بينهم وهذا قد أحدث ارتباكاً وصعوبة في تشخيص الأطفال من قبل الأطباء، كما كان يشكل صعوبة على أهل الطفل في فهم طبيعة المرض ولذلك تم تجميع كل تلك الأعراض في مسمى جديد عام 2013م يُدعى “اضطرابات طيف التوحد”، وتم اختيار لفظ طيف أو spectrum للتعبير عن تفاوت الأعراض بين أبسط العلامات إلى أشد الأعراض خطورة، وتم وضع العديد من الأعراض تحت هذا المسمى والتي تساعد الطبيب في التشخيص.
تعرف على : كيفية تشخيص وعلاج التوتر والقلق النفسي |
أعراض الإصابة بالتوحد:
يمكنك بسهولة ملاحظة أعراض الإصابة بالتوحد عند طفلك كما سبق أن لاحظتها، وظهور أكثر من عرض أو استمرار الأعراض لفترة طويلة تستدعي الذهاب والكشف عند طبيب الأطفال، أشهر وأهم أعراض الإصابة بالتوحد هي:
- عدم القدرة على التواصل البصري.
- حساسية عالية للصوت والضوء والملمس والروائح.
- لا يعيروا الأشخاص حولهم اهتماماً.
- لا يحب الاحتضان أو التواصل عن طريق اللمس.
- مشاكل في الفهم والكلام.
- يعتاد على روتين ولا يحب التغيير المفاجئ.
- اهتماماته محدودة.
- لا يلتفت حين يتم مناداته باسمه.
- نبرة الصوت الغريبة والموحدة.
- لا يعرف كيفية التعبير عن مشاعره.
- الحركات المتكررة وقد تعرضه للخطر في بعض الأحيان مثل خبط الرأس.
- يهتم كثيراً بتفاصيل الأشياء.
- قد يرفض بعض الأطعمة رفض قاطع وغير مبرر بسبب ملمسها على سبيل المثال.
- نوبات من الغضب والعصبية.
- يفضل البقاء وحده لمدة طويلة.
- صعوبة في استخدام الإشارات أو التلميحات أو فهمها.
وقد كانت الأعراض عند طفلتي مختلفة عن باقي الأطفال الذين يعانون من التوحد والذين تعرفت عليهم فيما بعد، ولذلك يجب التنبيه على أن ليس بالضرورة أن تظهر كل تلك الأعراض كما يمكن أن تتفاوت شدة الأعراض من شخص لآخر ولكن السؤال الأهم هو متى تذهب إلى الطبيب؟
متى أذهب للطبيب وكيفية إجراء اختبار مرض التوحد؟
كلُ طفلٍ يختلف عن الآخر في نموه وطريقة تفكيره وتفضيلاته الخاصة، ولكن إذا شعرت بتأخر شديد في النمو الكلامي والقدرة على التواصل لدى طفلك عندئذٍ يجب الانتباه لبعض النقاط التي قد تعني أنه مصاب بالتوحد مثل:
- عند 6 أشهر: يجب على الطفل أن يعبر عن السعادة عن طريق الابتسامة مثلاً.
- عند 9 أشهر: يكون الطفل قادراً على أن يقلد الأصوات أو تعابير الوجه.
- عند سن 12 شهر: على الطفل أن يستطيع تكوين أصوات غير مفهومة مثل تكرار حرف واحد أو جزء من كلمات مألوفة.
- عند سن 14 شهر: يستطيع الطفل ببلوغ ذلك العمر أن يستخدم الإشارة إلى الأشياء أو استخدام حركات اليد في التوديع أو الترحيب بالأشخاص.
- سن ال 16 شهر: عند إكمال الطفل السنة وأربعة أشهر غالباً ما يستطيع قول كلمة على الأقل.
- عن بلوغ السنتين: يستطيع الطفل تكوين جمل من كلمتين أو أكثر.
إذا كان هناك تأخر ملحوظ في النقاط السابقة حتى بلوغ السنتين أو إذا حدث أي تدهور في قدرة الطفل على التواصل أو التكلم في أي مرحلة بعد سن الثلاث سنوات يجب التوجه إلى طبيب متخصص للفحص.
الأسباب وعوامل خطورة التوحد:
لعل من أهم الاسئلة التي قد تخطر على بالك الآن هي ما أسباب ذلك المرض وهل يمكن تجنبها؟ إلى الآن لا يوجد سبب واضح لمرض التوحد ولكن عدة أسباب قد تزيد من احتمالية الإصابة بالتوحد من أهمها:
- الجينات: وجد العلماء أن بعض الجينات مسؤولة بصورة رئيسية عن تطور مرض التوحد.
- الجنس: الأولاد أكثر عرضة 4 مرات للإصابة بمرض التوحد من البنات.
- الحمل: تناول الأم بعض الأدوية أو الكحوليات خلال فترة الحمل يمكن أن تزيد من نسبة الإصابة بالتوحد.
- صحة الأم: بعض الأمراض مثل السكري والسمنة المفرطة قد تزيد من فرص الإصابة إذا لم يتم السيطرة عليها.
- صحة الطفل عند الولادة: قلة الوزن عند الولادة من أسباب زيادة التوحد.
- البيئة المحيطة: التلوث والتعرض لفيروسات خلال فترة الطفولة قد تزيد من احتمالية حدوث المرض.
طرق علاج مرض التوحد:
بعد أن وضحت أسباب التوحد دعني أخبرك بتجربتي مع علاج التوحد، كما سبق أن ذكرنا أن التوحد مرض مزمن بمعنى أنه لا يمكن الشفاء منه، ولكن يستخدم الأطباء طريقتين لتقليل أعراض المرض، وكلما بدأ الشخص مبكراً كلما كانت النتائج أفضل وأهم طرق علاج التوحد هي:
- العلاج السلوكي:
هناك أكثر من طريقة متبعة للعلاج السلوكي، بداية ً من تعزيز التواصل وطرق الاتصال مع الآخرين وتدريب الطفل على بعض المهارات مثل كيفية الأكل واللبس وكيف يتصرف أمام الآخرين، ويتم أحياناً استخدام العلاج التكاملي الحسي الذي يهدف إلى تقليل تحسس الطفل العالي ناحية الأصوات والأضواء، وفي بعض الأحيان يحتاج الطفل إلى طبيب تخاطب لتقوية مفردات اللغة.
- العلاج الدوائي:
لا يوجد وصفة سحرية أو عقار لعلاج التوحد، ولكن مرض التوحد عادةً يصاحب بعض الأمراض الأخرى التي قد تزيد من تعقيد الحالة مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب فرط النشاط وقلة التركيز أو الصرع ولذلك يتم وصف بعض الأدوية لعلاج تلك الأمراض.
مزايا مرض التوحد:
لم يكن الأمر مظلم للغاية عند اكتشاف التوحد لدى طفلتي فمع الوقت بدأت باكتشاف عدة مزايا لمرض التوحد وأدركت أن الأمر فقط يحتاج أن نغير من نظرتنا نحن تجاهه، أهم تلك المزايا التي لاحظتها هي:
- شدة التركيز في التفاصيل.
- الدقة والإتقان.
- قوة الملاحظة.
- الإبداع.
- عدم الحكم على الآخرين وتقبلهم.
- قوة الذاكرة.
- التفكير التحليلي والمنطقي.
- التصميم والمثابرة.
الاسئلة الشائعة:
وصولاً إلى تلك المرحلة قد يتطرق إلى ذهنك بعض الأسئلة الأخرى بخصوص مرض التوحد، لذلك سأحاول الإجابة على بعض أهم تلك الأسئلة.
ما هي أعراض التوحد عند الكبار؟
التوحد مرض يستمر مع الشخص طوال فترة حياته وأهم أعراض التوحد عند الكبار التي يمكن أن تلاحظها هي؛ صعوبة في إدارة الحوار أو التعبير عن المشاعر وتفضيل الروتين والأنشطة المحدودة.
ما هي أعراض التوحد عند المراهقين؟
تشخيص التوحد قد يتأخر نتيجة لعدم وضوح الأعراض خلال فترة الطفولة أو عدم وعي الأهل أو وجود مرض آخر ذات أولوية، ولذلك قد يكون أول مواجهة للمرض في فترة المراهقة وتظهر خلال تلك الفترة بعض الأعراض مثل،صعوبة التواصل وتكوين الصداقات وعدم المرونة في التفكير والحساسية المفرطة للمس وضعف الثقة بالنفس وعدم الرغبة في التعبير عن المشاعر.
ما هي أعراض التوحد عند الرجال والنساء؟
قد تختلف أعراض التوحد بين الرجال والنساء، فالرجال أكثر عرضة للإصابة بالتوحد عن النساء، كما أن الرجال تظهر لديهم أعراض صعوبة التواصل أكثر من النساء بينما تظهر لدى النساء مشاكل الحركة بصورة أكبر من الرجال، وأخيراً تقل لدى النساء أعراض الحركات المتلازمة.
في النهاية، ما سبق كانت تجربة تلك الأم مع مرض التوحد ونعلم كم يكون صعباً أن ترزق بطفل يعاني من التوحد ونتفهم جيداً إحساسك بالقلق والخوف ولكن، يمكن النظر إلى التوحد على أنه طبيعة فردية بدلاً من أنه مرض، واختلاف يجب احترامه ومعاملته بصورة خاصة وكثيرٌ من الأطفال الذين يعانون من التوحد أثبتوا نجاحات في مختلف مجالات الحياة ليثبتوا فقط أن الاختلاف ليس بالضرورة أمر سيء، وتذكروا دائماً أننا هنا في مستشفى الأمل للطب النفسي جاهزون لمساعدتك.
أقرا المزيد: