بعد رحلة التعافي من الإدمان يبدأ تحدي جديد للمتعافي نفسه ولأسرته، مشاعر متضاربة ومزيج من السعادة لإتمامه رحلة العلاج مع الخوف من الانتكاسة وعدم معرفة كيفية التعامل مع المدمن المتعافي كل هذا يجعل تلك المرحلة تشكل تحدياً على المحيطين بالشخص المتعافي من الإدمان. سنوضح في هذا المقال كيف تساعد الشخص المتعافي من الإدمان على خوض تلك المرحلة وكيف نقلل من فرص الانتكاسة ونستعرض عدة تجارب لأشخاص مروا بنفس المرحلة.
هل المدمن يرجع طبيعي بعد العلاج؟
من أهم وأول الأسئلة التي يتم السؤال عنها من أسرة المتعافي هي هل المدمن يعود طبيعي بعد العلاج من الإدمان؟ نعم، تتحسن حالة المدمن كثيراً بعد العلاج من الإدمان في مصحات علاج الادمان المتخصصة ولكن، تحسن الحالة لا يعني أن مرض الإدمان قابل للعلاج تماماً. الإدمان مرض مزمن بمعنى أن مراحل علاج الإدمان هي خطوات أولى وليست هي نهاية الطريق فالشخص المدمن يحتاج إلى متابعة مستمرة ليعيش حياة طبيعية مثل غيره من الأمراض المزمنة.
في المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان مثل مستشفى الأمل يتم التخلص من الإدمان في عدة خطوات تتمثل في العلاج الدوائي وسحب سموم المخدرات من الجسم ثم التعامل مع كافة الأعراض الانسحابية التي تظهر ثم العلاج النفسي والتأهيل السلوكي للمريض للتخلص من آثار المخدرات النفسية ثم يتم التحدث مع المريض حول كيفية الاندماج في المجتمع مرة أخرى ونصائح لتقليل فرص العودة إلى المخدرات.
وأيضاً في بعض الحالات يتم تنظيم جلسات علاج نفسي وسلوكي خاصة بأهل المريض لتدريبهم على الصورة الأمثل للتعامل معه في تلك المرحلة. كل ما سبق ذكره في خطوات العلاج تُسهل كثيراً التعامل مع المريض بعد ذلك.
إقرأ بالتفصيل: المخدرات وتأثيرها السلبي على الشباب واسلوب الوقاية منها
حياة المدمن بعد التعافي:
يُصبح التعامل مع الشخص المتعافي أسهل إذا استطعنا أن نضع أنفسنا مكانه وننظر من نفس المكان الذي ينظر إليه لذلك سنتكلم عن أهم التحديات التي تواجه المريض بعد إتمام خطوات العلاج وطبيعة حياة المدمن بعد التعافي:
-
مواجهة المشاكل بدلاً من الهروب:
أول تحدي يواجه المريض بعد التعافي هو أنه مجبر على مواجهة المشاكل التي كان يهرب منها في الماضي عن طريق المخدرات، وتراكم المشكلات وعدم القدرة على إيجاد حل لها من أكثر التحديات التي تُعرض الشخص إلى الانتكاسة مرة أخرى.
-
تغيير نظام الحياة:
يحتاج المريض إلى تغيير نظام حياته بالكامل بعد العلاج، يجد المريض نفسه مضطراً إلى تغيير علاقاته الاجتماعية المسبقة التي في الغالب تكون مع أصدقائه المدمنين، وقد يحتاج إلى تغيير بيئة عمله إذا كانت تساعده على الإدمان وإلى اتباع نظام غذائي صحي وإلى متابعة طبية مستمرة.
-
الملل:
في بعض الحالات يكون الملل هو الدافع الوحيد للرجوع إلى الإدمان بعد العلاج، وقت الفراغ الذي كانت المخدرات تشغله في الماضي يصبح أكثر الأوقات مللاً للمتعافي لذلك يحتاج إلى شغل ذلك الوقت بهويات جديدة وأنشطة مختلفة.
-
التغلب على المشاعر السيئة:
بعد العلاج من الإدمان تغلب عدة مشاعر سيئة على المتعافي مثل الشعور بالغضب من نفسه أو ممن حوله، الشعور بالندم وجلد الذات أو الشعور بالخجل بعد أن اكتشف الأشخاص المقربين منه إدمانه. يحتاج المريض في تلك الفترة إلى قدر كافي من تفهم مشاعره ومساعدته على اجتياز تلك المرحلة.
-
العقبات المادية:
في فترات المعاناة من الإدمان وحتى بعد اتخاذ قرار العلاج غالباً لا يوجد دخل ثابت للمريض إما بسبب إهمال عمله نتيجة للإدمان أو الطرد من العمل أو ترك عمله للحاق ببرامج علاج الإدمان التي تحتاج أحياناً إلى إقامة المريض الكاملة في المستشفى. بعد الإنتهاء من العلاج يحتاج المريض إلى مساعدة مادية أو البحث عن عمل حتى يستطيع بدء حياته مجدداً.
-
شبح الانتكاسة:
من أخطر الأشياء التي تواجه المريض بعد العلاج هو احتمالية الانتكاسة والعودة إلى الإدمان مرة أخرى، وسيتم التكلم عنها بشئ من التفصيل.
شاهد فيديو رائع عن انتكاسة الادمان المشاكل والحلول
تعرف على: كيفية اختيار مصحة علاج ادمان؟
الانتكاسة بعد العلاج من الادمان:
بعض الإحصائيات تقول أن من 40 إلى 60% من الأشخاص المتعافين من الإدمان معرضون الانتكاسة مرة واحدة على الأقل في حياتهم، تحدث الانتكاسة على 3 خطوات:
- انتكاسة المشاعر(emotional relapse): في تلك المرحلة من الانتكاسة لا يعي الشخص أنه يتعرض إلى الانتكاسة من الأساس، يعاني الشخص من مشاعر مثل القلق والتوتر وعدم انتظام في النوم والأكل ومشاعر غضب وعدم القدرة على التعامل مع المشاكل في بعض الأحيان.
- الانتكاسة العقلية (mental relapse): “الانتكاسة العقلية صعب جداً الرجوع منها وهي بمثابة منحدر يدفعك تلقائياً إلى الانتكاسة الفعلية وتناول المخدر”. الانتكاسة العقلية تحدث عندما يبدأ المريض بالتفكير بصورة إيجابية تجاه المخدر والاشتياق إلى تعاطيه من جديد أو الرغبة في الذهاب إلى أماكن الإدمان مرة أخرى.
- الانتكاسة الجسدية (physical relapse): تُعتبر تلك المرحلة هي الانتكاسة الفعلية وتبدأ حين يتعاطى المريض المخدر ولو بكمية صغيرة أو على فترات متباعدة.
تعرف على: أشهر الأدوية الطاردة للمواد المخدرة
ضرورة متابعة المدمن بعد الشفاء:
بعد التعرف على خطوات الانتكاسة وأن فرص الانتكاسة عالية حسب الإحصائيات المعتمدة تأتي ضرورة متابعة المدمن بعد الشفاء عن طريق الالتزام بالأدوية الموصوفة من الطبيب بدقة وبالجرعات المحددة والمتابعة مع الطبيب المختص كل فترة ومتابعة النظام اليومي والأنشطة اليومية للمتعافي.
أسباب الانتكاسة:
هناك عدة عوامل تزيد من فرص التعرض إلى الانتكاسة مثل:
- عدم رغبة المريض نفسه في التوقف عن تعاطي المخدرات.
- إهمال الأهل والمحيطين به وعدم متابعة المريض المستمرة.
- عدم الالتزام بتناول الأدوية أو الانقطاع عن العلاج في منتصف الطريق.
- التعرض لأزمات نفسية كبيرة وضغط قد يؤدي إلى الرجوع إلى الإدمان.
- التعرض إلى ألم جسدي أو حوادث قد تدفع الشخص إلى تعاطي المخدرات مرة أخرى.
- الاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى تزيد من فرص الانتكاسة إذا لم يتم معالجتها بصورة صحيحة.
كيفية التعامل مع المدمن المتعافي؟
نقدم لك بعض النصائح للتعامل مع المدمن بعد رحلة العلاج، من أهم تلك النصائح:
- فهم طبيعة الإدمان: من الأمور المهمة التي تساعدك على التعامل مع المدمن بعد العلاج هو القراءة عن طبيعة الإدمان وعن الأعراض التي يشعر بها المدمن أثناء التعاطي وبعد العلاج.
- تقبل أن الإدمان مرض مزمن: تقبل فكرة أن الإدمان مرض مزمن لا يختفي في لحظة يساعد على الاستعداد النفسي لخوض مرحلة ما بعد العلاج بصبر وتفهم.
- منع تواجد أي مواد قابلة للإدمان في البيت أو البيئة المحيطة بالشخص.
- قم بمساعدة الشخص المتعافي على القيام بأنشطة جديدة والتعرف على هوايات أخرى.
- من الجيد أن تحاول مساعدته على تكوين صداقات جديدة والخروج إلى المجتمع مرة أخرى دون الضغط الزائد عليه.
- لا تتوقع مثالية مفرطة: لا تتوقع أن ينتظم الشخص المريض على العلاج والمتابعة والنظام الصحي والمواعيد دون أخطاء، تقبل الخطأ وحاول تداركه سريعاً.
- الشخص المتعافي حديثاً من الإدمان يشعر بالذنب والغضب فلا تلقي اللوم عليه أو تحاول تأنيبه.
- مساعدة الأشخاص الذين نهتم بأمرهم لا يعني أن نعرض أنفسنا للخطر، لا تلوم نفسك على إدمانه ولا تتحمل مسؤلياته اليومية التي يستطيع القيام بها بنفسه وإذا شعرت بأنه يتعرض إلى الانتكاسة أو مشاكل نفسية لا تستطيع التعامل معها اطلب المساعدة الطبية.
إقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع المدمن العنيد؟
تعامل الزوجة مع زوجها المدمن المتعافي:
تعامل الزوجة مع زوجها المدمن المتعافي لا يختلف كثيراً عن النصائح التي ذكرناها مسبقاً ولكن هناك بعض النقاط التي يجب التركيز عليها التي تساعد في حل معاناة زوجات المدمنين مثل:
- لا يجب على الزوجة أن تشعر بالذنب أو اللوم على إدمان زوجها، فالإدمان قرار من الشخص نفسه.
- المدمن المتعافي يعيش حياة شبه طبيعية ويحتاج إلى قليل من التفهم والتحدث بحرية دون الشعور بالضغط أو اللوم المستمر.
- قد يكون الإدمان السابق هروباً من بعض المشاكل الأسرية، لذلك من الأفضل الاستعداد لمواجهة تلك المشاكل والتعامل معها.
- الانضمام إلى جلسات العلاج الأسري تساعد على خلق مساحة صحية للتحدث عن المشاكل وطرق حلها وكيفية التعامل فيما بعد.
- المرحلة الأولى ما بعد علاج الإدمان تكون الأصعب ويحتاج الزوج إلى الدعم في تلك الفترة ومساعدته في حل المشاكل التي يواجهها.
- إذا لم يرغب الزوج في العلاج أو تغيير نظام حياته للأفضل واستمر في تعاطي المخدرات خصوصاً إذا كن هذا يشكل خطراً عليكِ أو على أطفالك يجب التفكير في احتمالية الطلاق.
تجارب زوجات المدمنين بعد التعافي:
بينما تنجح بعض العلاقات في تخطي عقبة الإدمان والاستمرار تفشل بعض العلاقات الأخرى، من التجارب الناجحة لزوجة أحد المدمنين بعد إنهائه مراحل العلاج ترويها بنفسها: “اتفقت مع زوجي على ضرورة الخضوع لبرنامج علاج الإدمان من أجل استمرار ذلك الزواج، لم يكن القرار سهلاً ولكنه لم يرفض الفكرة أيضاً وذهبنا معاً إلى مستشفى علاج الإدمان للالتحاق ببرنامج الإقامة الكاملة. بعد علاج الإدمان أشعر أنه أفضل ولكنه ما زال يحتاج إلى الدعم خاصةً مع شعوره الدائم بالندم والذنب وعدم الثقة بالنفس. تتشارك الأسرة كلها في نظام أكله الصحي ونمارس رياضة المشي بصورة مستمرة واشترك في بعض دورات لعب الشطرنج لقضاء وقت فراغه”
إقرأ أيضاً: المعلومات الكاملة حول الفرق بين المدمن والمتعاطي
تجارب مدمنين متعافين:
هناك العديد من التجارب لمدمنين متعافين ولنأخذ تلك التجربة كمثال:
“بدأت إدمان البانجو والحشيش منذ أن كان عمري 15 عاماً ومع وصولي لسن ال18 ازداد الوضع سوءاً بعد أن تعرفت على بعض الأشخاص الذين دفعوني لتجربة بعض المخدرات الأخرى مثل الستروكس والترامادول وغيرهم. كنت أشعر أنني أعيش حياة ليست حياتي وأن هذا كابوس سوف استيقظ منه وأخيراً اتخذت قرار العلاج بمساعدة أسرتي وتوجهت إلى مركز لعلاج الإدمان. عكس ما يظن بعض الأشخاص علاج الإدمان لا يتوقف في اللحظة التي تخرج من المصحة بل يحتاج إلى متابعة مستمرة إرادة قوية ولكن الحياة بدون إدمان تستحق ذلك المجهود”
الأسئلة الشائعة حول كيفية التعامل مع المدمن المتعافي
أهم الأسئلة في كيفية التعامل مع المدمن المتعافي:
ما هي مدة شفاء المدمن؟
تختلف مدة الشفاء حسب نوع المخدر الذي يتعاطاه المدمن ومدة الإدمان وكميته ولكن في المتوسط تتراوح مدة شفاء المدمن من 3 إلى 6 أشهر حسب برنامج العلاج.
هل يتم تاهيل الأباء لمعرفة كيفية التعامل مع المدمن المتعافي؟
بعض برامج وجلسات العلاج النفسي في مستشفى الأمل تشمل التحدث مع أهل المريض لتدريبهم على كيفية التعامل معه واحتوائه وفهم المرحلة التي يمر بها، اتصل بنا أو قم بالحجز عن طريق زيارة أقرب فروع مستشفى الأمل لك.
ما هو دور المجتمع في التعامل مع المدمن المتعافي من المخدرات؟
على المجتمع أن يقبل المتعافين من الإدمان ويتم توظيفهم لخلق حياة جديدة لهم وإنقاذهم من الرجوع للإدمان مرة أخرى، وكذلك هناك دور مهم للمجتمع في نشر الوعي حول الإدمان وأسباب الوقوع فيه وكيفية حماية الشباب من خطره عن طريق وسائل الإعلام والمؤتمرات.
تعرف على: أفضل طبيب لعلاج الادمان
الخلاصة:
معرفة كيفية التعامل مع المدمن المتعافي أمر مهم لمواجهة التحديات بعد رحلة العلاج وعدم التعرض للانتكاسة. التفهم ومساعدة المريض في الاندماج مع المجتمع والمتابعة المستمرة من أهم النقاط في التعامل مع المدمن بعد العلاج. هناك العديد من التجارب الناجحة لأشخاص بعد التعافي من الإدمان فالأمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً.